اقيمت في المركز الثقافي بالسويداء الثلاثاء في11/11/2014 ندوة بعنوان) :النقد الأدبي في سورية - واقع وطموحات) وقد قدم للندوة التي ركزت بجلستيها على النقد في السويداء الدكتور فايز عز الدين رئيس فرع اتحاد الكتاب بالسويداء وقد تغيب الدكتور عبد الكريم حسين وكان مقرراً أن يتراس الجلسة الأولى
شارك فيها محاضراً د. ياسين الفاعور- في بحث بعنوان (أبو الطيب المتنبي في الشعر العربي المعاصر من منظار الدكتور ثائر زين الدين) والدكتور غسان غنيم في بحث بعنوان (محمد رضوان والتجريب) د. راتب سكر في بحث بعنوان (نافدة على تجربة الدكتور عاطف بطرس النقدية) ود. جمال عبود في بحث بعنوان: (نزار بريك هنيدي ناقداً)
ونتوقف في هذا البحث مع المداخلات حول الكتابات النقدية ل (محمد رضوان / د. عاطف البطرس/ محي الدين صبحي)
الدكتور غنيم بدأ بحثه معتبراً نقد التجريب واحدا من اهم اليات الحداثة، وشكل الوجه الأكثر حضوراً لما بعد الحداثة التي وسمت المرحلة التاريخية لما بعد الحرب العالمية الثانية وتزامنت مع انتقال المجتمع الغربي من تقنية الصناعات الثقيلة الى تقنية الصناعات الدقيقة وسيادة أفكار ما بعد الحداثة في الأدب والفلسفة التي تمجد ما هو غير عقلاني وغير واقعي مع محاولة لتجاوز الماضي والسخرية منه مع رفض قاطع للنصوص المغلقة ذات الاحكام النهائيةـ ولكل ما هو مطلق وقاطع لصالح نصوص مفتوحة، غير واضحة ويمكن للمتلقين ايجاد الدلالة من خلال التأويل مع الدعوة الى لغة طازجة غير مفعمة بالدلات المسبقة، تنشئ دلالتها عبر صيرورة اسبقيتها، والتجريب هنا محاولة اجتراح اليات جديدة في الكتابة الأدبية
وتناول المحاضر كتاب محمد رضوان (التجريب) الصادر عن اتحاد الكتاب عام 2013 وتحولات السرد في الرواية السورية التي درس فيها رضوان التجريب في عدد كبير من الروايات وصلت نحو اربعين رواية غير قراءة نقدية ما شكل عملا نقديا جديرا بالاحترام والتقدير من خلال مفهوم محدد للتجريب يتلخص بالخلق بكل حرية وبدون نموذج مستعيرا كلمة الآن روب غريبي، وبالتجاوز وهدم الحدود، والتمرد على سكونية اللغة واتجاها نحو الشعرية والاتجاه نحو العجائبي والاسطوري مع اضافات مرت في ثنايا الكتاب كتكسير الزمن الروائي وتعدد الأصوات وتقوم ألية الدراسة لديه على طرح الفكرة التي يريد معالجتها بشكل مقتضب ثم الولوج الى روايات يمكن ان تخدم الفكرة كما في دراسته لروايات حارس الماعز لا براهيم خليل وذاكرة الرماد لابتسام التريسي لافتاً الى دراسة رضوان للسرد والزمان والمكان الرمزي والعجائبي واللغة والعنوان الفرعي كما جاء في حديثه عن بنية السرد في رواية حارس الماعز:( إن التشكيل الجمالي من خلال هذا المقطع السردي لا يمكن أن يثير فينا اللذة الجمالية لولا براعته في تشكيلته اللغوية ووعيه التام بالتوظيف الفني إذ تنتقل اللغة من مجرد وسيلة في الأداء الى لبنة من لبنات الدلالة في النص) ويشير المحاضر الى اشتغال رضوان بالعتبات النصية كوسيلة للكشف عن طبيعة النص وفي فصل الزمن ولعبة السرد ورغم أن الدكتور غنيم يأخذ غلى رضوان عدم وضعه خاتمة للكتاب فهو يتوقف عند بعض النتائج التي توصل اليها الكاتب مثل تجاوز روايات التجريب للزمن الخيطي- والتلاعب به عبر تثنيات الاستباق والاسترجاع-تنازلها عن الحدث الاساسي- عدم اهتمامها بالواقع التصويري-حضور البلوفونية كما في رواية هيفاء البيطار- بروز اللغة الروائية عاملا- محاولة الروايات ان تقدم مضمونات مختلفة- ويخلص المحاضر الى القول: إن كتاب التجريب لمحمد رضوان يعد الاهم الذي رصد تحولات الحداثة الأدبية في سورية ممثلة بالجنس الروائي
وفي بحثه حول تجربة الدكتور عاطف البطرس الكتابية أكد الدكتور راتب سكر أن تجربة د.بطرس متكاملة الرؤية وحاسمة في موقفها من الوجود وظواهره الثقافية وظهرت مقدماتها في سلسلة مقالات بين عامي 1982-1984 في صحيفة تشرين وغيرها من الصحف والمجلات وكانت متميزة بتناغمها الفكري والوجداني وبالتفاعل مع الحياة الثقافية السورية وتركيزه على تجارب أدبية لكتاب محليين وعالميين كانت اسماؤهم في تلك المرحلة تحتل مكانة مرموقة مثل حنا مينة ووليد اخلاصي وجنكيز ايتماتوف وماركيز وغيرهم والقيم المهيمنة على الحياة الثقافية وموضوعات التمرد على الظلم واستعباد واستلاب وامتهان كرامة الانسان كما في "بيت الخلد" لوليد اخلاصي
وجرأة تلك المقالات فكريا ووجدانياً ما منح صاحبها احتراماً وحضوراً وانتشاراً في وقت قصير نسبياً وكانت ذروتها ما كتبه عن رواية إخلاصي وإن مجمل كتاباته عن روايات حنا مينة وعن شخصيات الطروسي وصالح مخزوم ولقد نجح في تلك المقالات في صدم وإثارة الصدمة لدجى قارئه بما راح يكتشفه من عناد تينك الشخصية ونبلها الفطري وانسانيتها في عالم يتهالك الى حضيض مبهم ما عبر عن انتمائه لمشروع فكري ووجداني متناغم وتعزز ذلك بتراكم مقالاته عن روايات حنا مينة الذي كان يتربع على عرش مجد ثقافي واهتمامه بالأدباء ذوي الحضور الطليعي وتميزت تجربة بطرس بالغزارة وبمدرسة النقد الأدبي الواقعي المهيمنة عربيا وقد اصدر د. بطرس ثلاثة كتب بين عامي 2004-2009 وهي : حنا مينة المعيش والمتخيل- قصدية النص- الانفتاح الدلالي للنص ويمثل عطاؤه فيها المرحلة الثانية حيث المرحلة بين المرحلتين امضاها مسافراً لتحضير شهادة الدكتوراه والعمل بعيداً عن ربوع وطنه وبلاده العربية وهو زمن تفرغ فيه للقراءة وتنمية ملكاته الأدبية والثقافية ولم تقتصر المرحلة الثانية على اصداره الكتب الثلاثة المنوه عنها فثمة اسهامه بنشر المقالات وتقديم المحاضرات في المراكز الثقافية وتركز شغله في كتبه الثلاثة على موضوعات جوهرية هي: روايات حنا مينه والتجلي الفني في بناء شخصياتها واحداثها وقد قدم في كتابه قصدية النص دراستين عنيتا بروايتي الاديب القرغيزي السوفيتي وتميز بمخالفته آراء النقاد الروس الذين عدوا رواية السفينة البيضاء خروجاً عن مبادئ الواقعية الاشتراكية ناظراً الى موت الطفل في نهايتها بأنه تعبير عن قسوة النظام البيروقراطي مبرزاً مهارات ايتماتوف في توظيف الاسطورة "الغزال" وفي دراسته عن رواية ماركيز "قصة موت معلن" يسجل لبطرس ربط مصير سنتياغو نصار بطل الرواية بالقضية الفلسطينية مؤكداً أن مواجهة الظلم والتوق الى الحرية هي قضية البشرية جمعاء وهو ما اكده فيما بعد سعيد حورانية في مسرحية اعدها عن الرواية
وفي دراسته لرواية الهارب التي ادانها عدد من النقاد السوفيات وعدوها تسويقاً للجبن والهرب من المعركة عد بطرس الإدانة هي للظروف التي اعاقته عن الالتحاق بالقتال والإدانة الجوهرية كانت للحرب والبيروقراطية وبذلك انطلق بطرس من موقف ايديولوجي في النظر الى الدلالة الكلية للعمل الأدبي
وفي بحثه بعنوان (محمد محي صبحي ناقد نسيج وحده) رأى الكاتب محمد طربيه ان ابرز عيوب النقد العربي الحديث هو التعامل النقدي مع النص الأدبي وفق مذاهب نقدية محددة وروائز ومعايير مسبقة غالباً ما تكون من خارج النص الأدبي أو مقحمة عليه تحت يافطة المنهج او علمية النقد ما يسبب حيفاً واضحاً على خصوصية التجربة الأدبية المركبة العصي على التأطير والقابل بطبيعته لأنواع متجددة من التذوق والتحليل فذاك كلاسيكي يقيس الادب بمواصفات الجزالة والوضوح والاتقان والسلامة اللعوبية وذاك رومانسي يعلي من شأن فردية الأديب وجموحه وثالث نفسي تحليلي يوجه نقده لاكتشاف اثر الطفولة والجنس والموروث ورابع واقعي –اشتراكي يقيس الادب بما يحققه من نفع في ميدان التقدم الى غير ذلك من المذاهب المسبقة الأدبية تفرض الالتزام
ومن هنا يمكن القول ان الناقد المرحوم محي الدين صبحي 1935-2003 كان بمنجاة من السقوط فيما عاب بعض النقد الأدبي الحديث أو اخذ على معظمه التطبيق المباشر لأفكار واطروحات مسبقة نقدية ام فكرية، بقدر ما كان تذوقاً شخصياً وتعاطياً فردياً، فارتكز نقده على معطيات مجمل المناهج وعلى ثقافة نوعية وعقل متزن يحاكم ويوازن لذا رفض مقولة النقد التطبيقي ورأى استبدالها بالنقد العملي لأن التطبيقي يلتزم منهجا معيناً يطبقه على النصوص الادبية في كل عصورها ومذاهبها وهذا تعسف ظاهر، اما النقد العملي فيؤمن ان لا نهاية الاساليب الأدبية تفرض عليه الالتزام بعدد لانهائي من طرق المقاربة للنصوص
واستعرض طربية اهم افكار صبحي مشيرا الى اصداره في عمره غير الطويل نسبيا 25 كتابا تناولت مختلف الفنون والاجناس الادبية وتنوعت نقدا نظريا وعمليا وترجمة وتحقيق في عيون كتب التراث اضافة الى نشاطه العملي في المؤتمرات والمنتديات
وفي مجال الادب والفكر قدم صبحي فهما عميقا وشفافا ونوعيا لعلاقة الأدب بالفكر ولاسيما في ميدان الشعر، فيقول :إن الشاعر الكبير لا يفكر بل يوهمنا أنه يفكر والادب ليس مطالباً ان يحمل لنا لحقيقة على شكل مفهومات وقضايا، بل يقدم لنا الحقيقة من خلال نظرة شاملة الى الحياة يمتلكها كل عمل متماسك فنيا بأسلوب تمثيلي يعنى بنقل الانفعال وتكوين موقف بعيدا عن اساليب المفكرين المنهجيين ويضيف صبحي موضحاً: مهما يكن من امر فإن ما نسميه في الشعر بالرؤية الشاملة لا تعني بحال من الأحوال بناء فكرياً كلياً) ويتابع طربية وفي رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه "الرؤية في شعر البياتي" ان كل المذاهب الرمزية والاسطورية ون يصلح لدراسة الواقعية وسواها ليست سوى تقنيات في خدمة الرؤيا مبيناً ان وظيفة النقد ان يترجم بلغة عقلية ما امكن ما قاله الشاعر بلغة انفعالية وان الشعر رؤيا ومفهوم غير محدد الابعاد تحديدا عقليا وليست له دلالة ثابتة او ملموسة وان المناهج المحددة لا تصلح لدراسة الشعر، إذ ليس ثمة منهج واحد يصلح للتعامل مع النص تحليلا وتقويما ونقدا اي كما يوضح صبحي( لكل نتاج منطقا داخليا يفرض المنهج النقدي الذي يلائمه ويكشفه وكل نص يستدعي منهجه الخاص وهذا المنهج وحده يعزز وجود النقد كشكل مستقل من اشكال المعرفة واشار طربيه الى أن صبحي برهن عمليا على ذلك في دراسته عن الشاعرتين نازك الملائكة وفدوى طوقان كنموذجين من اساليب التعبير الذاتي احدهما فني مصطنع والاخر مباشر عفوي أي ان طبيعة التجربة تفرض على الاديب نسقها، فستخدم المنهج النفسي في دراسة شعر نازك والاجتماعي في دراسة شعر فدوى دون ان يغفل الجانب الفني او الشكلي ومما قاله عن نازك الملائكة انها ساهمت في تطوير لشعر العربي واوصلته الى دروب التحرر من القيود ومنحت الفنان حرية اختيار قيوده ضمن التوتر الذي يريد ان يخلقه...
وتناول طربيه موقف صبحي من الواقعية الاشتراكية ونعيه على التطبيق الالي للمبادئ والافكار في الادب والنقد منطلقا من ان وعي الأديب هو الذي يحدد انتماءه وليس اصوله الطبقية
والشيء ذاته فعله في مناقشته كتاب جلال فاروق الشريف "الشعر العربي الحديث" مؤكدا ان النقاد الواقعيين الاشتراكيين هم اقرب الى الذهنية والتنظير منهم الى النقد وختم طربيه مداخلته بالتأكيد أن صبحي دعا الى اسقاط مفهوم المعنى في الادب ليحل محله مفهوم المضمون لأنه اشمل والى العناية بالناحية الشكلية وليس الاقتصار على المضمون ذلك ان الادب أولا واخيراً هو طريقة عرض
(يتبع )...............................