ضمن فعاليات مهرجات شهبا للتراث الذي تقيمه جمعية العاديات - فرع السويداء قدم الكاتب محمد طربيه يوم الأربعاء 15/10/ 2014 في المركز الثقافي بمدينة صلخد محاضرة بعنوان: (هل كان ابو العلاء المعري موحداً) بدأها منطلقاً من فكرة :عندما يبزغ نجم عالم أو فيلسوف أو أديب كبير فإن جهات وفئات كثيرة طائفية أو قومية وجغرافية تجتهد في اسناد نسبه إليها...
اعتمد طربيه في موضوع محاضرته على الكاتب اللبناني مارون عبود في كتابه: (ابو العلاء زوبعة العصور) الذي يعتمد أشعاره وأقواله وما ورد في كتاب عبود بلهجة قاطعة: (وليس كتاب لزوم ما لا يلزم غير كتاب الإخوان فلينعم اخواننا الدروز بالا وليطمئنوا في خلواتهم فإن إمام الدعوة الفاطمية الخالد لم يشك لحظة بالمذهب وما ارتد قط ولست أقول أن أبا العلاء درزي اسماً فقد سموهم هكذا بعده، ولكني أقول إن مذهبهم مذهبه وإن ما نراه اليوم عتد الطبقة المتنزهة من تقشف وزهد في الدنيا مأخوذ من اثنين الحاكم بأمر الله وحوارية ابي العلاء المعري....)
اسهب المحاضر في عرض أوجه يعتقد بأنها تشابه بين الفكر التوحيدي و قصائد ابي العلاء ومعتقداته المعروفة، مبرئاً منهجه في المحاضرة من منهج الكتاب المنوه عنه متوقفاً تارة عند الأفكار التي يعتقد بأنها تتعارض مع المذهب ومبدؤه الفلسفي فالتوحيد "المذهب" يعني الإيمان بإله واحد، حيث (الإسلام باب الإيمان والإيمان باب التوحيد) موضحاً المفاهيم المتقاطعة لدى أبي العلاء مع المذهب فالمعري يعتقد بجوهر واحد للأديان في قوله: (مسيحية من قبلها موسوية / حكت لك أخباراً بعيداً ثبوتها / وفارس قد شبت لها النار وادعت/ نيرانها أن لا يجوز خفوتها/ فما هذه الأيام غير نظائرٍ / تساوت بها آحادها بسبوتها) وقوله: (في اللاذقية ضجة /ما بين احمد والمسيح ..هذا بناقوس يدق/ وذا بمئذنة يصيح../ كل يعظم دينه / ياليت شعري ما الصحيح؟!) وأشار طربيه إلى فصل المعري فصلاً قاطعاً بين الدين والعقل.. كما في قوله: (هفت النصارى ما اهتدت .. ويهود حارت والمجوس مضللة/ اثنان أهل الأرض ذو عقل / بلا دين وآخر ديّن لا عقل له) وفي رفعه للتكاليف الشرعية بقوله:
(سبح وصل وطف بمكة زائراً.. سبعين لا سبعاً فلست بناسك.. جهل الديانة من إذا عرضت له.. اطماعه لم يلفَ بالمتماسك)
وقوله: (حياة ثم موت ثم نشرُ ..حديث خرافةٍ يا أم عمرو) وإلى رأيه المناقض لفكرة خلود الروح حيث يقول: (وجسمي شمعة والنفس نار.. اذا حان الردى خمدت بأف) ثم مر بآراء المعري المتضمنة في رسالة الغفران واتهامه بالإلحاد
وخلص إلى مخالفته لمفهومين اساسيين من مفاهيم التوحيد مبرزاً وجوه الالتباس بين مذهب التوحيد ومذهب المعري الذي لا يربط ايمانه بالله بدين أو مذهب معين حيث يقول: (خالق لا يشك به قديم وزمان على الأنام تقادم) مشيراً إلى موقفه من دعوة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله للمعري لزيارة القاهرة
وقد تميزت المحاضرة بالطرافة والحيوية وبالشواهد الشعرية الجميلة وبحضور نوعي أغناها بالنقاشات والمداخلات الهامة.. إلا أن سبر غور المفاهيم التي تعرض لها المحاضر، خاصة مفهوم التوحيد والإشكالية التاريخية حول شخصية ابي العلاء المعري وهل كان ملحداً أم مؤمناً لم يكن مقنعاً ربما بسبب طبيعة البحث ومحاولته الربط بين الموقفين الفلسفيين المختلفين جوهراً.. فالمعري يجاهر بإيمانه بالعقل والعقل فقط كما في قوله: (يذرو الزمان الفاتحين كأنهم / رمل تناوله مهب رياحِ..لا تصلح الدنيا ويصلح أمرها/ إلا بفكر كالشعاع صراحِ)