ندرك أن الحقيقة التي يدع كل امتلاكها، قد تكون ناقصة أو نسبية أو قد تكون مفقودة أصلاً.. ولكن بعض الاتباع والمريدين الغلاة يصرون على احادية الرأي أو بمعنى آخر "أحادية المصلحة"، وكثيراً ما نفاجئ بأشخاص نتخيل اننا نعرفهم في حياتنا اليومية يصدموننا بما يسوقونه لتبرير سلوكهم الأناني، وسكوتهم عن الحق، صحيح أنهم قد لا يمثلون إلا أنفسهم والمثل يقول (لو خلت بلت) ولكن ما حيلة "هابيل" أمام "قابيل" اللعين وهو لا يملك ما يدفع به الشر عن نفسه، ليس هذا فحسب بل قد تصل الأمور لدرجة الاتهام بالهبل والغباء وقلة الحيلة والدروشة، مقابل التبجيل لقابيل وجماعته ومريديه فهو الشاطر وال "حربوق" ال"جدع" (يعرف من أين تؤكل الكتف)، وهو اللص الظريف، والسياسي البارع (القاتل الذي لا يريق دماً) المشكلة ليست في أن نظرية قابيل تبيح وتبرر كل شيء لنفسها ولا تبيحه لغيرها، ولكن لا تهادن الحق أبداً، فالسرقة من مال الدولة ومال الشعب مباح وفق قاعدة ("كول وطعميْ") أي أعرف أصول اللعب مع الكبار، فلا تكن غشيماً ولنلاحظ كيف يخدم الطيبون اعداءهم من الأشرار إذ ما المغزى وراء مقولات ومأثورات نرددها ك: (النوايا الطيبة أقرب الطرق إلى جهنم) (اتق شر من أحسنت إليه) اي أننا نشجع سوء النوايا وعدم الإحسان وبعض هذه العبر جاء من كتب قيمة ومشهورة عالمياً كما في "الف ليلة وليلة" وفي حكايات "كليلة ودمنة وغيرها، نحن لا نستهين بتجارب من سبقونا، ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا المغزى البعيد وراء تعليمنا ألا نصدم بالواقع ولكن ما يصدمنا حقاً هو وقاحة وجرأة بعض هؤلاء في الكذب والادعاء والاستهانة بالآخر رغم الحكمة الشعبية التي تقول: (تُعرف الكذبة من كبرها)، فالصيد في المياه العكرة، مهما تلون يبقى استفلالا ونذالة واكثر المستفيدين من الأزمة هم أشخاص يبيعون ما لا يمتلكون، على جميع الصعد، فكراً أو إعلاماً او حتى أخلاقاً وأدباً، تجدهم طافين على هذا السطح الراكد، فلا تجد معهم نكهة لشيء لا الماء ولا الهواء، ولا يهم هنا الشعار الذي يرفعونه "معارضة أو مولاة" المهم هو الاستغلال والمتاجرة
لأن الجوهر واحد في الحالتين وهو هنا الكذب والتدليس والمراوغة على مبدأ: (اللي ما عنده ما بيروح لو) و(إذا لم تستح.. افعل ما شئت!) لذلك كثرت النسخ المقلدة، وضيعت الأصول وطغى السوق بما فيه ومن فيه واتضح لتا أن المشكلة قائمة فينا وليس في الماء العكر فهل كان
الشاعر المتنبي محقاً حين قال شعراً :
أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَهُ فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْدُ
وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عمٍ وأسهَدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِرْدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ
بِقَلْبِي وإنْ لم أرْوَ منها مَلالَةٌ وبي عن غَوانيها وإن وَصَلتْ صَدُّ
خَليلايَ دونَ النّاسِ حُزْنٌ وعَبرةٌ على فَقْدِ مَن أحبَبتُ ما لهُما فَقْدُ
(بعيد عنكم طبعاً)